الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
وأول من غنى من الرجال في اليمن ذو جدن وهو قيل من أقيال حمير وهكذا كان غناء العرب في جاهليتهم ساذجا كتغني الحداة في حداء إبلهم والفتيان بالقمر والنجم والفلاة والخيل. وقد ورد ذكر الغناء في شعرهم، قال طرفة بن العبد: أي لم تتكلف، وقوله مطروفة هي التي أصيب طرفها بشيء أي كأنها أصيب طرفها لفتور نظرها ويروى مطلوقة ومطروقة.قال ابن رشيق القيرواني في كتاب العمدة: غناء العرب قديما على ثلاثة أوجه: النصب والسناد والهزج، فأما النصب فغناء الركبان والفتيان قال اسحق بن ابراهيم وهو الذي يقال له المرائي وهو الغناء الجنابي اشتقه رجل من كلب يقال له جناب بن عبد اللّه بن هبل فنسب إليه ومنه كان أصل الحداء وكله يخرج من أصل الطويل في العروض، وأما السناد فالثقيل ذو الترجيع الكثير النغمات والنبرات وهو على ست طرائق: الثقيل الأول وخفيفه والثقيل الثاني وخفيفه والرمل وخفيفه، وأما الهزج فالخفيف الذي يرقص عليه ويمشى بالدف والمزمار فيطرب ويستخف الحليم.قال اسحق: هذا كان غناء العرب حتى جاء اللّه بالإسلام وفتحت العراق وجلب الغناء الرقيق من فارس والروم فغنوا الغناء المجزّا المؤلف بالفارسية والرومية وغنوا جميعا بالعيدان والطنابير والمعازف والمزامير.وقال الجاحظ: العرب تقطّع الألحان الموزونة على الاشعار الموزونة والعجم تمطّط الألفاظ فتقبض وتبسط حتى تدخل في وزن اللحن فتضع موزونا على غير موزون.ولم يزالوا على طريقتهم هذه حتى جاء الإسلام فكانوا إذ ذاك لا يطربون إلا بالقراءة والشعر الحماسي لتمكن الدين منهم ولأنهم في دور تأسيس وفتوح، فلما استتب لهم الأمر غلب عليهم الرفه والترف فمالوا إلى الدعة، ورقت طبائعهم ولانت جوانبهم وتفرق المغنون من الفرس والروم فوقعوا إلى الحجاز وصاروا موالي لهم وغنوا جميعا بالعيدان والطنابير والمعازف وسمع العرب تلحينهم للأصوات فلحنوا عليها أشعارهم.تأثير الغناء:قال الغزالي في الإحياء: للّه سر في مناسبة النغمات الموزونة للأرواح حتى انها لتؤثر فيها تأثيرا عجيبا، فمن الأصوات ما يفرح ومنها ما ينوم ومنها ما يضحك ويطرب ومنها ما يستخرج من الأعضاء حركات على وزنها باليد والرجل والرأس، ولا ينبغي أن يظن أن ذلك لفهم معاني الشعر بل هذا جار في الأوتار حتى قيل: من لم يحركه الربيع وأزهاره، والعود وأوتاره، فهو فاسد المزاج، ليس له علاج، وكيف يكون ذلك لفهم المعنى وتأثيره مشاهد في الصبي في مهده فانه يسكنه الصوت الطيب عن بكائه وتنصرف نفسه عما يبكيه إلى الإصغاء إليه، والجمل مع بلادة طبعه يتأثر بالحداء تأثرا يستخف معه الأحمال الثقيلة ويستقصر لقوة نشاطه في سماعه المسافات الطويلة وينبعث فيه من النشاط ما يسكره ويولهه فترى الجمال إذا طالت عليها البوادي واعتراها الإعياء والكلال تحت المحامل والأحمال إذا سمعت منادي الحداء تمدّ أعناقها، وتصغي إلى الحادي ناصبة آذانها وتسرع في سيرها حتى تتزعزع عليها أحمالها ومحاملها وربما تتلف أنفسها من شدة السير وثقل الحمل وهي لا تشعر به لنشاطها ثم ذكر الغزالي دليلا على ما قاله قصة العبد الذي أهلك الجمال بطيب صوته إذ جعلها تقطع مسيرة ثلاثة أيام في ليلة واحدة وبعد ذلك قال: فإن تأثير السماع في القلب محسوس ومن لم يحركه السماع فهو ناقص مائل عن الاعتدال، بعيد عن الروحانية، زائد في غلظ الطبع وكثافته على الجمال والطيور بل على جميع البهائم فإن جميعها تتأثر بالنغمات الموزونة ولذلك كانت الطيور تقف على رأس داود عليه السلام لاستماع صوته ومهما كان النظر في السماع باعتبار تأثيره في القلب لم يجز مطلقا أن يحكم فيه بإباحة ولا تحريم بل يختلف ذلك بالأحوال والاشخاص واختلاف طرق النغمات فحكمه حكم ما في القلب.ومن غريب ما ينقل في تأثير الغناء: خرج مخارق المغني مع بعض أصحابه إلى بعض المتنزّهات فنظر إلى قوس مذهبة مع أحد من خرج معه فسأله إياها فكأن المسئول ضنّ بها وسنحت ظباء بالقرب منه فقال لصاحب القوس: أرأيت إن تغنيت صوتا فعطفت عليك خدود هذه الظباء أتدفع إليّ هذه القوس؟ قال نعم، فاندفع يغني: فعطفت الظباء راجعة إليه حتى وفقت بالقرب منه مستشرفة تنظر اليه مصغية إلى صوته فعجب من حضر من رجوعها ووقوفها وناوله الرجل القوس فأخذها وقطع الغناء فعاودت الظباء نفارها ومضت راجعة على سننها.قصة المليحة صاحبة الخمار الأسود:وقصة المليحة صاحبة الخمار الأسود مشهورة وهي من خير ما يتمثّل به ويرويها الأصمعي فيقول: قدم أعرابي بعدل من خمر العراق فباعها كلها إلا السّود فشكا ذلك إلى الدارمي وهو مسكين الدارمي الشاعر وكان قد تنسّك وترك الشعر ولزم المسجد فقال: ما تجعل لي؟ على أن أحتال لك بحيلة حتى تبيعها كلها على حكمك قال ما شئت. قال: فعمد الدارمي إلى ثياب نسكه فألقاها عنه وعاد إلى مثل شأنه الأول وقال شعرا ورفعه إلى صديق له من المغنين فغنّى به وكان الشعر: فشاع هذا الغناء في المدينة وقالوا: قد رجع الدارمي وتعشّق صاحبة الخمار الأسود فلم تبق مليحة في المدينة إلا اشترت خمارا أسود وباع التاجر جميع ما كان معه فجعل إخوان الدارمي من النساك يمرون فيقولون: ما صنعت فيقول ستعلمون بعد حين فلما أنفد العراقي جميع ما كان معه رجع الدارمي إلى نسكه ولبس ثيابه.هذا ولو أردنا استقصاء ما ورد في هذا الباب من التأثير العجيب لطال بنا البحث ولكنا اكتفينا بما أوردناه لئلا نخرج عن الموضوع.
ومعنى النقصان هو عدم الاستغناء بالمرفوع عن المنصوب، وقد أورد ابن مالك عشرة أمور ليبطل بها مذهب الجمهور وهي مذكورة في شرحه على التسهيل فليرجع إليها هناك من يجب الاستقصاء، إذا عرفت هذا فاعلم أن ل أصبح وأمسى وأضحى ثلاثة معان:1- أن تقرن مضمون الجملة بالأوقات الخاصة التي هي الصباح والمساء والضحى على طريقة كان.2- أن تفيد معنى الدخول في هذه الأوقات كأظهر وأعتم وهي في هذا الوجه تكون تامة يسكت على مرفوعها قال حميد الأرقط: وقبله: والجلة فقة التمر تتخذ من سعف النخل وليفه ولذلك وصفها بالصهبة يقول: لما أصبحوا ظهر على معرسهم وهو موضع نزولهم نوى التمر وعلاه لكثرته على انهم لحاجتهم لم يلقوا إلا بعضه.3- أن تكون بمعنى صار كقولك: أصبح زيد غنيا وأمسى فقيرا تريد أنه صار كذلك مع قطع النظر عن وقت مخصوص، قال عدي بن زيد: 2- الاعتراض:تقدم القول في الجمل المعترضة والواو الاعتراضية وقوله: {وله الحمد في السموات والأرض} الجملة معترضة بين المعطوف والمعطوف عليه لنكتة أوردها الرازي وهي أن تسبيحهم لنفعهم لا له فعليهم أن يحمدوه إذا سبحوه لأجل نعمة هدايتهم إلى التوفيق.3- الفاء قبل إذا الفجائية:تقدم القول في إذا الفجائية ونقول هنا إن الغالب فيها أن تقع بعد الفاء لأنها تقتضي التعقيب ووجه وقوعها مع ثم بالنسبة إلى ما يليق بالحالة الخاصة أي بعد تلك الأطوار التي قصها علينا في مواضع أخر من كوننا نطفة ثم مضغة ثم عظما مجردا ثم عظما مكسوا لحما فاجأ البشرية بالانتشار أي انهم انما يصيرون بشرا بعد أطوار كثيرة.4- الحكمة في اختلاف الألوان والألسنة:خالف سبحانه بين الألوان والألسنة حتى ما تكاد تسمع منطقين متفقين في جرس واحد ولا جهارة واحدة وحتى ما تكاد ترى صورتين متشابهتين تمام التشابه في الألوان والسمات والقسمات لحصول التعارف وإلا فلو كانت على مسلاخ واحد وبلون واحد وتقاسيم وتقاطيع واحدة لحصل الخلل والالتباس ولا نعدم التمييز بينها جميعا حتى أن التوأمين مع توافق موادهما وأسبابهما والأمور الملاقية لهما في التخليق يختلفان في شيء من ذلك محالة مهما يتقاربا في وجوه الشبه.
|